الخميس، 2 مايو 2013

مقالي الأول.

مقال : العالم بين يديك
بقلم: أ. مشاعل العنزي


في بداية حديثي عن القراءة و كيف تجعل العالم بين يديها أستهل ذلك ببعض الجمل التي استقيتها من فيديو جميل على اليوتيوب و هي
بإمكانك أن تفعل أشياء لم تتخيل يوما انك تستطيع فعلها
بإمكانك إن تمتلك آلة الزمن و تسافر الى كل الأزمنة رغم أنه لا وجود لهذه الآلة الخرافية
بإمكانك إن تدور العالم كله دون أن تخرج من بيتك
بإمكانك إن تشعر بصقيع موسكو و تشم رائحة زهور أمستردام دون إن تغادر الكرسي الذي تجلس عليه
بإمكانك إن تتجاذب أطراف الحديث مع حكيم صيني عاش في القرن الثاني قبل الميلاد
بإمكانك إن تشهد بداية الزمن
بإمكانك إن تعيش حياتك أضعافا مضاعفة و إن تضيف إلى عمرك أعمارا أخرى
بإمكانك إن تفعل كل ذلك و أكثر عبر شيء واحد
" ضع كتابا بين يديك ... و سيأتي العالم إليك "
نعم فالقراءة هي التي ستضيف لنا كل هذه
قال العقاد
"لست أهوى القراءة لأكتب و لا ازداد عملا في تقدير الحساب إنما كنت أهوى القراءة لان لي في هذه الدنيا حياة واحدة و حياة واحدة لا تكفيني و لا تحرك كل ما فيني ضميري من بواعث الحركة ، القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة لأنها تزيد الحياة عمقا "
و أيضا اود ان اوضح أهمية القراءة في الإسلام حيث كانت أول كلمة في أول سورة نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم هي أمره بالقراءة بادئا باسم الله كما قال تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق (1) " العلق ، ثم كرر الأمر بها " اقرأ و ربك الأكرم(3) العلق ، و اختصت أمة الإسلام من بين سائر الأمم بأمر مباشر من الله تعالى لها تمثل في سورة العلق و كان أول أمر أنزل على نبينا صلى الله عليه و سلم تنبيها له و لأمته على أهمية القراءة في حياة البشر و لكي يعتني بها أفراد الأمة و يولونها ما تستحقه من اهتمام .
و يقول الله عز و جل
" قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كانت عاقبة المكذبين" الأنعام(11)
"قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق" العنكبوت (20)
و غيرها كثير من الآيات التي تحض على السير في الأرض للنظر في أحوال الأمم ، و كيف بدأ الخلق و النظر على السير في الأرض للنظر في أحوال الأمم و كيف بدأ الخلق و النظر و التفكر بمظاهر و دلائل قدرة الله تعالى المتمثلة في عجائب و معجزات مخلوقاته.
يقول المفسرون تعليقا على هذه الآيات الكريمة ، بأن السير في هذه الحالات لا يكون مقصورا على فعل السير حسيا، فليست كل الأمم الغابرة التي أبادها الله قد تركت آثارا تدل على وجودها في يوم من الأيام ، و أيضا ليس كل البشر في قدرة على الترحال في جنبات الأرض للنظر في ما أمرهم الله به ، لذا يكفي المسلمين السير المعنوي أي من خلال طلب العلم و المعرفة عن هذه الأمور و ليس من وسيلة عظمى لطلب العلم كالقراءة.
و من خلال قراءتي للسيرة النبوية وجدت موقفا رائعا غريبا جدا على الزمن الذي حدث فيه ، بل و على غيره من الأزمنة حتى زماننا ، إنه موقف فداء الأسرى في غزوة بدر ، فقد كان الرسول صلى الله عليه و سلم يطلب من الأسير الذي يريد فداء نفسه من الأسر تعليم عشرة من المسلمين القراءة و الكتابة ، هذا شيء غريب جدا و خاصة في ذلك الزمن الذي انتشرت فيه الأمية ، لكن القراءة و الكتابة و التعلم احتياجات ضرورية لأي أمة تريد النهوض و التقدم و الرقي .
و من مواقف السيرة كذلك نجد أن الصحابي الذي يستطيع القراءة كان يقدم على أصحابه ، انظر إلى زيد بن ثابت رضي الله عنه الذي قدم على كثير من الصحابة و صار ملاصقا للرسول صلى الله عليه و سلم بصفة شبه دائمة لأنه يتقن القراءة و الكتابة ، و كلنا يعرف أبا هريرة رضي الله عنه و كيف كان حفظه لحديث رسول الله صلى الله عليه و سلم.
لهذه المواقف و لغيرها غرس حب القراءة في قلوب المسلمين و كانت المكتبات الإسلامية في التاريخ الإسلامي من أعظم مكتبات العالم بل أعظمها على الإطلاق و القرون و الطويلة، إذن هذه هي قيمة القراءة في الميزان الإسلامي و هذه هي قيمة القراءة في تاريخ المسلمين.
و يحضرني هنا موقف جميل لـ عبدالله بن المبارك المروزي ( 118هـ - 181هـ ) عالم و إمام مجاهد في شتى العلوم الدينية و الدنيوية .
يحكى أن قيل له: يا أبا عبد الرحمن لو خرجت فجلست مع أصحابك
قال: إني إذا كنت في المنزل جالست أصحاب الرسول صلى الله عليه و سلم (يقصد القراءة)
قال له شفيق بن إبراهيم البلخي: إذا صليت معنا لم لا تجلس معنا؟
قال: اذهب فأجلس مع التابعين و الصحابة
قال له شفيق بن إبراهيم البلخي: فأين التابعون و الصحابة
قال: اذهب فأنظر في عملي فأدرك آثارهم و أعمالهم ما أصنع معكم ؟ انتم تجلسون تغتابون الناس
و تبين لي أن كل البشر على هذه الأرض على اختلاف مللهم و أديانهم و ألوانهم يدركون أهمية القراءة و لا ينكرونها ، لكن أغلب الناس بالرغم من ذلك لا يمارسونها و بحسب ما يقوله علم النفس فان كل إدراك عقلي مهما كان نوعه لا يصبح محل تطبيق إلا حين يكون مرتبطا بشكل وثيق بحاجة أساسية من الحاجات التي أوردها العالم الأمريكي ابراهام ماسلو في نظريته عن سلم الحاجات ، و كذلك القراءة فما لم يشعر الإنسان بأنها ترتبط بحاجة من حاجاته الأساسية مثل حاجته الفسيولوجية أي حصوله على المأكل و المشرب و المسكن و ما أشبه ، أو حاجته للشعور بالأمان الفيزيائي و النفسي أو حاجته للإشباع الاجتماعي أو حاجته للشعور بتقدير الآخرين له و الإشادة بفضله أو أخيرا حاجته لتحقيق ذاته و النجاح في الحياة و بالتالي شعوره بالرضا عن نفسه فانه لن يمارسها و لن يحرص عليها.
و في احدى الدراسات التي قرأتها و حسب ما ذكر في بحث أمريكي إن قراءة الكتب تلبي حاجات نفسية لدى المرء بينها الحاجة الإنسانية للشعور بالانتماء ، و شمل البحث 140 طالبا جامعيا تم إعطائهم 30 دقيقة لقراءة مقاطع من رواية مصاصي الدماء " الشفق" ( Twilight ) أو رواية السحرة " هاري بوتر و حجر المشعوذ" و ركزت المقاطع على حياة مصاصي الدماء أو السحرة
و تم تقييم الارتباط النفسي للقراء بأبطال الروايتين الذي يسمى " تأثير التمثل بالشخصية" فاللذين قرءوا " الشفق " أخذوا عند القراءة شخصية مصاص الدماء و اللذين قرءوا " هاري بوتر " أخذوا شخصية الساحر و برز التأثير الكبير لدى الأشخاص الموجهين في حياتهم للعمل و العيش ضمن مجموعات
و قالت الباحثة شيرا غابريل من جامعة بوفالو ساني لعلم النفس ، و الطالبة آريانا يونغ اللتين ساهتما في اعداد البحث أن الدراسة وجدت أيضا أن (( الانتماء )) إلى المجتمع الخيالي في الرواية يمنح القارئ المزاج نفسه و الرضا الحياتي اللذان يكونان لدى الناس حين يجتمعون مع أشخاص في حياتهم الواقعية ، و أشارت غابريل يون غالى أن البحث يشرح كيف أن القراءة ليست للهرب من الواقع أو للتعلم بل كشيء يلبي حاجة نفسية عميقة أيضا.
و هكذا فكلما زاد شعور الإنسان بارتباط القراءة بحاجاته المختلفة زاد اقترابه من القراءة و التعلم، و الأمم التي نراها و قد علت و ارتفعت عن غيرها ، دائما تكون هي الأمم التي أدركت الارتباط الوثيق للقراءة بتوفير الحاجات المختلفة للأفراد و الجماعات ، و هكذا جعلت القراءة و طلب العلم منهجها و طريقها ، و أما في الجانب الآخر فاعلم إن الأمم التي غفلت عن ذلك و لم تدرك أهميته و لم تحرص على القراءة صارت في آخر ركب الحضارة و في أسفا سلم التقدم و الرقي
سأعرض في النهاية بعض أقوال و آراء الفلاسفة والمفكرين عن القراءة

عباس محمود العقاد ( أديب مصري )
"لست أهوى القراءة لأكتب و لا ازداد عملا في تقدير الحساب إنما كنت أهوى القراءة لان لي في هذه الدنيا حياة واحدة و حياة واحدة لا تكفيني و لا تحرك كل ما فيني ضميري من بواعث الحركة ، القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة لأنها تزيد الحياة عمقا "
جودت سعيد ( مفكر )
" أن أهمية القراءة تبدوا في معجزة النبي الأمي فكون خاتم النبيين أميا إشارة إلى أن أحدا من الناس بعد خاتم النبيين لن يكون مصلحا و هاديا في الناس بدون قراءة و بخاتم النبيين النبي الأمي محمد صلى الله عليه و سلم ختم عهد الأمية و فتح عهد القراءة في الحياة البشرية"
الإمام جعفر الصادق رضي الله عنه:
" ما يمنع التاجر منكم المشغول في سوقه إذا رجع إلى منزله أن لا ينام حتى يقرأ سورة من القرآن فيكتب له مكان كل لآية عشر حسنات و يمحي عنه عشر سيئات
المستشرقان هارولد جولويت و كاثي كوب
" كان المسلمين مفعمين بالحياة أنقياء و كانوا أناسا تواقين متحمسين للفكر ، فالديانة الإسلامية تتطلب من الأشخاص أن يتفهموا القرآن من أجل أنفسهم و قد ترجم هذا التشديد على القراءة و الكتابة إلى الاهتمام بكل الحرف الفكرية


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق