السبت، 19 أبريل 2014

قصة مسباح معلم




أعجبتني…  فنقلتها لكم: 

هكذا ينبغي أن نكون نحن المعلمين ..    والآباء..
قصة رووووعة 

يرويها معلم بنفسه...


المكان : مدرسة ابتدائية
الزمان : 1417 هـ
الصف : الأول الابتدائي
الفصل الدراسي : الأول
صفتي : معلم صف أول ابتدائي

رابع سنة لي كمعلم ؛ وثالث سنة لي كمرب للصف الأول الابتدائي.
كانت الحصة الثانية من يوم أحد ؛ وكانت في مادة القراءة ..
بدأ الطلاب يعملون في حل تدريب كتابي ؛ انتهى البعض .
بدأت أتجول بينهم أصوب لمن انتهى منهم من الحل ..
كنت وما زلت صاحب مسبحة لا تفارق جيبي ولا يدي منذ مراهقتي ..

وبينما كنت منحني للتصويب لأحد الطلاب ؛ 
وإذا بالمسبحة قد ظهر جزءًا منها من فتحة جيبي..
احسست بمن يعبث فيها ويلامسها بأصبعه الصغير ؛ ولم ألتفت ؛ والتزمت وضعيتي ..
أطلت التدقيق في التصويب ؛ 
ونظرت نظرة من تحت يدي  فماذا شاهدت ؟!
أحد الطلاب يداعب المسبحة العالقة من فتحة جيبي  ويتبسم بهيام غريب !

اعتدلت .. أخرجت السبحة بهدوء ؛ ووضعتها بحجره دون أن ألتفت إليه ؟
اتجهت للسبورة وعدت للشرح .. وطلبت من الصغار تجهيز أنفسهم لفسحة الإفطار .

لمحت الصغير .. 
وإذا به قد وضع المسبحة فوق الطاولة بين يديه ؛
يدعكها بقوة ثم يشمها ويسلهم بعينيه البريئتين الجميلتين .

تعجبت من تصرفه ولم أرغب أن يراني أرقبه .
قرع جرس نهاية الحصة ؛ وبدأ الأطفال يتوافدون للخارج .
وطفلي صاحب المسبحة باق في مكانه ؟!
ويفعل ماكان قد فعله !!
لم أنظر إليه .. تشاغلت بترتيب الصف والسبورة !
تقدم الطفل إليَّ وقال : يبه .. توقف ثم قال : استاد سبحتك !
مددت يدي لأخذها ووسط شكري له ..
مسك الطفل يدي وقبلها .. وقال : أنا أحبك ياستاد ؟!
نزلت له جاثيا وقبلت رأسه .. وقلت له : وأنا احبك وحظنته ؟
وإذا بقلبه يخفق !!

خرج من الصف وخرجت واستفهامات كثيرة .
أن يقول لك طفل : أحبك . فهذا شرف كبير لا زيف فيه يعادل عندي مديح المدير ودرجة الأداء الوظيفي بامتياز وتقدير المشرف التربوي وكيله الثناء العطر وتكريم مدير التعليم بالتميز وتتويج الوزير بالإتقان .

مشيت في داخل أحد أروقة المدرسة ؛ 
فرحاً .. يخالط فرحي الذهول !!

سبحان الله .. وإذا وكيل المدرسة في وجهي .. وبعفويه سألته : 
أين ملفات طلاب الصف الأول الابتدائي .
فأشار مشكوراً إليها في مكتبه .

استأذنته وبدأت افتش عن ملف الطالب !!
فقال الوكيل : ماذا تريد … بالضبط ؟
فقلت : لا أعرف !!
فابتسم وغادر .
وصلت لملف الطفل وفتحته ؟!
وصلت دفتر العائلة .. ماذا أرى ؟
وماذا أشاهد ؟!
صورة الأب لم تكن موجودة !! 
وختمت بختم كتب مكانها ( متوفي ) ! 
إنه السر المؤكد .. تبينت لاحقاً أن والد الطفل قد توفي قبل دخوله المدرسة بشهر إثر حادث مروري – رحمه الله - وهذا الطفل اليتيم ابنه الأول !!
كان الطفل يتمنى أن يشاركه والده تجربته المدرسية ..!
فغيبته أقدار الله !!

وبلا نظريات علم النفس :
الطفل أرادني ( أب بديل )  أعوضه حنو الأب الذي غاب عنه ؟
ذلك الموقف .. غير مسار حياتي المهنية وعلاقاتي الإنسانية ..
بت أؤمن أن التربية قيمة ورسالة عظيمة 
لاحقاً .. بدأت أعزز طفلي الصغير بالملامسة والسلام ومسح الرأس .
في الطابور الصباحي .. اعتدت أن اتفقدهم واحد تلو الأخر .
وبعد الموقف .. اعتدت أن أقف بقرب هذا الطفل .
وأتابعه في اليوم الدراسي كاملاً ؛ وفي جميع المواد أتفقده .

نجح الطفل للصف الثاني .

وأذكر أنه كان يلعب كرة القدم في حصة التربية الرياضية ؛ فضربه أحد زملائه ..
انطلق باكياً … 
وتعدى معلم التربية الرياضية الذي كان يحكم المباراة ..
دخل بهو المدرسة ثم إلى غرفة المعلمين ..
واتجه لي ودموعه تسيل من عينيه ..
وقال : فلان ضربني ؟؟
فقلت له : ماله حق .
فقال : قم احسب لي بلنتي !!!
فقلت : أبشر .
خرجت معه للملعب المدرسي ..
وأعلنت احتجاجي عند الحكم ( معلم التربية الرياضية ) .
وهددته بأن أطالب بالحكم الأجنبي في المباراة القادمة ..
فامتثل جزاه الله خيرا ..
وأخذت الصافرة وأعلنت عن بلنتي ( بأثر رجعي ) لصغيري.
سدد صغيري الكرة ..
ودوت صافرتي التي سمعها كل من في الحي معلنة الهدف ؛ وكنت أول من صفق بحرارة .

صغيري الآن اجتاز المستوى الثالث في كلية اللغة العربية في جامعة القصيم .

لن أنساك يا ماجد ؛ فأنت - بعد فضل الله - من ألنت قساوة قلبي ؛ وعلمتني كيف يجب أن يكون ميدان التربية والتعليم ميدان لكل ضمير حي .

كل مرة أسرد القصة  تغالبني دموعي  وهذه المرة أرهقتني بحق .

أعيدوا قراءتها بتأن 
::  ::  :: 
شكراً لمن كتبها ولمن نشرها ، 
شكراً لكل معلم ومعلمة يكون أباً لطلابه .. 
شكرا لكل معلم يتلمس احتياجات طلابه ، ويوفر لهم جوا عاطفيا ً .. يشعر بأحاسيسهم ، يراعي مشاعرهم .. يسد رغباتهم النفسية والمعنوية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق