الإيجابية..
في المهلبية !
في أحد الدراسات اللذيذة والتي تناولت البحث عن الدافع الحقيقي خلف كل مُتميّز ومُبتكِر، ومُنتِج، والسِر الذي يُحيل مصاعب الحياة إلى صواريخ نفّاثة تمنح تلك الوجوه فرصة مصافحة أبعد نجوم الكون، وسط حسرة أفواج من البشر.. كانت النتائج مُدهِشة، وقد أتت كالتالي:
أولاً: تأملاتك وأفكارك مع ذاتك بنسبة 33 % ، تلاها: الوالدان، ودعمهما بنسبة 27% ثم المعلمين وتحفيزهم بنسبة 16% ثم حلّ رابعاً الكتاب والإعلام المرئي وتوعيتهم بنسبة 12% ثم الأصدقاء 8% ثم مديرك في العمل بنسبة 4% !
سألني أحدهم مُمتعضاً: "كلما تفاءلتُ أكثر، انهدمت الدنيا على رأسي، حتى أني أصبحتُ أخشى أن أبتسم حتى لا تغدق عليّ الحياة من بركاتها ومفاجأتها التي لا تُحمد عُقباها، بُت أخشى حتى أحلامي الوردية في منامي"! سرقني لحظتها صوت أستاذنا عبد الوهاب المسيري وقد زارني طيفه فجأةً مُتمتما جملته الشهيرة " أنا لا أقبل أي شيء على علاّته، وهذا ما أصابني بداء التأمل".
اختلطت علينا الأمور، تناسينا أننا مدينون لأفكارنا وتأملاتنا التي تُولد في رحمِ السُكون، وأن تلك اللحظات التي نقف فيها مع أنفسنا هي بمثابة نقطة الانطلاق لتحقيق جزءاً من أحلامنا التي تفر من بين أيدينا كقطرات المطر المجنون وسط أعاصير وزلازل وتسوناميات حانقة.
الحقيقة الأهم التي نتجاهلها وسط كل هذا، أن الإيجابية والهِمّة بلا معرفة.. تخريف، كلام فاضي! أرني كيف ستُحرّك جبلا وتوقف نهرا وتشق دربا بإيجابيتك؟! بل أخبرني كيف ستوقف بحراً من أن يبتلعك حياً إن لم تكن تتقن فنون السباحة؟! كيف ستعيش قصة عشق مع حبيبة من زمن ألف ليلة وليلة وأنت لا تعرف معنى طلّة القمر ورهبة الحب ووقع الأشواق في قلوب العُشّاق ونشوة الغرام لحظة افتضاح الحب؟! تبقى كلها نظريات في الهواء بلا طعم بلا حياة.
كل ذلك هُراء! عِلمك وتفاؤلك يصنعان المستحيل! وهذا هو الفارق.
لذا عِش إن شِئتَ مُبتسماً حالماً خاملاً وسترى ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمِعت ولا خطَر على قلب بشر من الهم والنكد والكدر.
الحقيقة أنّ الإيجابية مع المعرفة والإيمان، تصنعُ حدثاً، أمّا الآمال دون عمل يُباركها، ستبقى ملعونةً في زاوية نكرة.. دُعابة سمِجة لا ترقى أن تُصادق قلباً إلى حيث بَرّ الإنجاز المشرق.. لن يجرؤ أن يسبِر أغوارها أحد.
مُعادلةٌ ذكيةٌ نجهلها، بل ونخلِط في فِهم أطرافها. ما تصنعه الإيجابية فعلا أنها ستجعل من خطواتك البسيطة أُسطورة، ستقفز بك مئة ألف سنة ضوئية، مع كل خطوة إنجاز. ستُعطيك الدافع أن تستمر، وتشحن طاقتك التي تستنفذها الأيام، ستجعل من الحروبِ التي تمر بك طُرفة وتصنع من العثرات بلسماً.. فقط إن صاحبها عمل ومعرفة وإصرار، والأخيرة نقطة الفصل في معارك الحياة.
تُرى، كم جبلٍ في حياتنا نرتطم به في مشوارنا، وكم من أعاصير تجتاح أيامنا بلا سابق إنذار.
الإيجابية الحقيقية باختصار، هي المُولدّات التي تمدك بالطاقة إن أزداد الليل ظُلمةً وسواداً، وليست السحر الذي يُفتت المستحيل، ولن تكن أبداً مِصباح علاء الدين الذي سيُخرج المارد المعجزة لتحقيق أحلامك.
حتماً ستتقن عملك أكثر إذا ما قررت أن تُحرّك الجبل من مكانه، وفي قرارة نفسك أنه قابل للحركة وأن بوسعك أن تفتت أركانه لأنك تعرف خباياه ونقاط ضعفه ومكامن قوته.
هي دائرة متصلة، ما بين عملٍ وحلم. فإن شعرت بإحباط، حملك شغف البحث على الانتظار وشحَنَ أوردتك بمادة الصبر الجميل.. وإن تأخرت النتائج وصالت المعارك وجالت، جاء تفاؤلك ليُنبئ قلبك أن القادم لا بد أن يكون أجمل رغم كل الظروف والمحبطات.
نُخلط كثيراً ما بين المفهومين. نظن أن أرزاقنا ونجاحاتنا ستأتينا ونحن لم نُبارح أماكننا. ننسى دائما أن الله أمرنا بالسعي، وأننا يجب أن نمضي وعلى وجه القلب ابتسامة أمل ورضا.. وحلمٌ صادق، كالمارد يبتلع بداخله آلامنا ومخاوفنا.. ويأسنا.
الإيجابية بلا حقائق وعمل ومُثابرة طُرفة بل مهزلة. الفطن من يعمل ويُضيف على أعماله تلك مذاقاً جميلاً يُسمى مسحوق الإيجابية والتفاؤل.
يُقال أن "التحفيز مع المعرفة، يُعطيك الإلهام"، لذا ابتسم ودعها تمضي فالحياة تحدٍ مثير وكثيرٌ من صبر وبعضُ ألم .. وألفُ فجرٍ وأمل !
الحياة حتماً ستُصبح أجمل بعملنا وعلمنا. هي تجربة طويلة من العلم والكفاح لا يجب أن تتوقف عند نجاحاتنا أو إخفاقاتنا.. بل تستمر إلى آخر رمق. رحلة بحث مشوّقة بكل ما فيها من تحديات، فقط علينا أن نحاول "بمتعة" وهذا أجمل ما في المشوار.
ألم يقل إليا أبو ماضي ذات نهارٍ مشرق:
أيهذا الشاكي وما بك داء، كن جميلا ترى الوجود جميلا